
رسالة قوية من الصدر لسافايا وطلب أميركي عاجل للحكومة
مقدّمة
في الأيام القليلة الماضية برزت رسائل قد تبدو منفصلة ولكنها مترابطة: من جهة، صدور موقف حاد من مقتدى الصدر باتجاه المبعوث الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، ومن جهة أخرى، إطلاق واشنطن عبر سافايا طلباً عاجلاً موجهًا إلى حكومة بغداد يتعلّق بموضوع أمن الدولة وسيطرة السلاح. هذا التزامن يعكس تصعيداً سياسياً ـ أمنيّاً في العراق، ويحمل دلالات مهمة عن التحولات الداخلية والخارجية.
الرسالة من الصدر إلى المبعوث الأميركي
● صعد الصدر لهجته في تغريدة ضرَبَ فيها عرض الحائط دور “السياسيين الفاسدين الذين يخدمون المصالح الأجنبية” ووجّه رسائل مباشرة إلى سافايا، إذ قال إنّ الأخير “يفرض قراراته على السياسيين الفاسدين في البلاد”. شفق نيوز
● الرسالة تحمل عدة معانٍ من بينها:
 - رفضاً لاستمرار النفوذ الأجنبي في القرار العراقي، وتمثّله بإنذار موجه للسياسيين “الخاضعين” لمثل هذا النفوذ.
 - تحدياً شخصياً للمبعوث الأميركي وطريقة عمله في العراق؛ أي أنّ الصدر لا يكتفي بالتعبير عن رفض عام، بل يضع سافايا نفسه في هدف الانتقاد.
 - استعادة موقع الصدر كفعل فاعل في المشهد السياسي العراقي، قابل للرد أو الممانعة وليس مجرد مشارك.
● من منظور تحليلي: هذه الرسالة ليست مجرد رد فعل، بل محاولة لإعادة تحديد “حدود اللعب” من قبل الصدر تجاه السياسة الأميركية – العراقية، وبشكل مباشر. كما أنها تشير إلى أنّ الصدر يرى أن المعركة السياسية لا تزال من زاوية السيادة الداخلية، وليس من زاوية مجرد الانتخابات أو الحكومات.
الطلب الأميركي العاجل إلى الحكومة العراقية
من الجانب الأميركي، عبر سافايا جاء طلب واضح وعاجل إلى الحكومة العراقية، مفاده: وجوب أن تخضع جميع التشكيلات المسلحة والقوى خارج السيطرة الرسمية لقيادة الدولة العراقية، وما لم يحدث ذلك فإن “استقرار العراق وسيادته سيكونان في خطر”. شفق نيوز
ويظهر ذلك جلياً في تصريحاته:
“There is no place for armed groups operating outside the authority of the state … Iraq’s stability depends on one security apparatus under one government.” kurdistan24.net+1
بالتالي، الطلب الأميركي العاجل:
- حصر السلاح بيد الدولة العراقية، ودمج أو تفكيك التشكيلات المسلحة غير الخاضعة لقيادة الدولة.
 - تحييد الأجسام التي تعتبرها واشنطن “جناحاً خارج الدولة” وهي غالباً مرتبطة بنفوذ إقليمي.
 - تسريع خطوات إصلاح هيكل الأمن العراقي والسيطرة الحكومية.
 - إشراك أو التعاون مع واشنطن لتمكين العراق من “استعادة سيادته” بحسب صيغة سافايا.
وبالتالي، الطلب أميركي بقدر ما هو “إجراء تقني” (دمج السلاح)، فهو أيضاً “إشارة استراتيجية” بأن واشنطن ستراقب بشكل خاص قدرة بغداد على خفض نفوذ التشكيلات غير الحكومية. 
التلاقحات والتقاطعات بين الرسالتين
إنّ ما يلفت الانتباه هو تزامن هذه الرسالتين (صدر vs سافايا) في توقيت واحد تقريباً، مما يفتح بعض التساؤلات والتأويلات:
- من جهة، الصدر يوصّف سافايا بأنه “مُموّل” أو “مفتّش” لتدخلات أجنبية في العراق، ويطلب من السياسيين العراقيين ألا يقبلوا فرضياته.
 - من جهة أخرى، سافايا يطالب بملف مهم وهو مطلبٌ داخليّ في العراق: توحيد السلاح وحصره بيد الدولة. هذا الطلب يدعم جزئياً ما كان الصدر يدعو إليه سابقاً (إخضاع السلاح للدولة) لكن بمسار أميركي – دولي.
 - هنا تتقاطع المصالح: الصدر قد يرى في حصر السلاح بيد الدولة وسيلة لتقليص نفوذ ميليشيات محسوبة على إيران أو أحزاب، بينما واشنطن ترى فيه ركناً أساسياً لاستقرار العراق وضمان عدم أن يتحول سريعاً إلى ساحة نفوذ خارجي.
 - لكن التناقض يكمن في “من يكون الممثل الحقيقي للدولة؟” وهو ما يشكك فيه الصدر حين يقول إن السياسيين “الخاضعين” هم جزء من المشكلة. فالمعارضة ليست فقط ضد الميليشيات، بل ضد “الدولة ـ النظام ـ المحاصصة” التي يرى أنها فاسدة.
 - لذلك، التحدي الأكبر أمام الحكومة العراقية هو: كيف تلبّي الطلب الأميركي بدمج السلاح وتثبيت الدولة، من دون أن تُضرّ بشروط الصدر التي يضعها للعودة للمشهد (مكافحة الفساد، اعتبار النفوذ الأجنبي عدواً، محاسبة السياسيين الخاضعين).
 
التأثيرات والسيناريوهات المتوقعة
تأثيرات مباشرة
- قد تتجه الحكومة إلى إعلان خطة أو قانون لدمج أو تنظيم التشكيلات المسلحة – ما يعطي “مؤشراً جيداً” لواشنطن ومجتمع المستثمرين.
 - سيُصبح الصدر لاعباً يستعيد قوة التفاوض: فإما أن تشارك أحزابه بتحالفات أو تُعامل كجزء من المنظومة، وإما أن تبقى “قوة تحت الطلب” تشكّل ضغطاً على الدولة.
 - من الممكن أن ترتفع وتيرة التصريحات والمواجهات السياسية بين الصدر وأحزاب النظام أو الأحزاب التي تتهمه بأنه يحاول فرض “خيار بديل”.
 - على الصعيد الخارجي، سيُنظر إلى العراق كساحة لتجربة أميركية جديدة: حصر السلاح، الحد من النفوذ الإيراني، وتعزيز “وسطية” الدولة العراقية.
 
سيناريوهات محتملة
- سيناريو التوافق: الحكومة تستجيب لطلب واشنطن بدمج التشكيلات، الصدر يتعاون جزئياً، يُحدث ذلك حالة استقرار نسبي وتقدم في الإصلاحات الأمنية والسياسية.
 - سيناريو الاحتكاك: الصدر يرفض ما يعتبره “تدخلاً أجنبياً” في “شؤون السيادة العراقية”، ويتحفظ على أي تطبيق يُنظر إليه كجزء من “الهيمنة الأميركية أو الإيرانية” مما يؤدي إلى توتر مع الدولة.
 - سيناريو التصعيد: في حال فشل الدولة في تحقيق المطلوب، مع استمرار الصدر في الضغط والشعور بأن الميليشيات تُمكَّن أكثر، يمكن أن نشهد احتجاجات أو تحركات شعبية/طائفية تؤثر على الاستقرار.
 
لماذا هذا المشهد مهم؟
- لأنّه يعكس أن معركة العراق اليوم ليست فقط انتخابية أو حكومية، بل معركة شكل الدولة نفسها: هل ستبقى منظومة محاصصة وميليشيات وأحزاب متنفذة، أم تتحول إلى دولة فعليّة تملك احتكار القوة؟
 - لأنّ التدخّل الأميركي يتغير: ليس فقط وجود “قوات عسكرية” أو “مستشارين” بل مطلب هيكلي وإصلاح، ما يعني أن واشنطن تراهن على “بديل” في العراق هذه المرة.
 - لأنّ الصدر، الذي كان لفترة في “عزلة نسبياً” بعد انسحابه من البرلمان وآخرين، يعود بموقع رباعي: فاعل داخلي، منافس سياسي، موازن للقوى، وناقد خارجي.
 - لأنّ حكومة بغداد – التي أنت مطّلع عليها كاستشاري – تقع تحت ضغط مزدوج: داخلي من الصدر والقوى الأخرى، وخارجي من واشنطن، مما يعني أن مناصرتها للخطوات الأمنية/السيادية يجب أن تترافق مع معالجة “قضايا الجوهر” (فساد، خدمات، مشاركة).
 
توصيات للحكومة العراقية الفعلية
كونك تستعين في الاستشارات، فإليك بعض التوصيات التي يمكن تبنّيها:
- إعلان خارطة طريق واضحة لدمج التشكيلات المسلحة تحت سلطة الدولة: تحديد أطر زمنية، خطوات تنفيذ، حوافز للتحول القانوني، وآليات محاسبة.
 - إشراك القوى السياسية الكبرى (بما فيها التيار الصدري) في صياغة تلك الخطة لخلق غطاء سياسي، وتخفيف احتمالية المقاومة أو الرفض.
 - مواصلة الإصلاحات المؤسساتية بشكل متزامن: مكافحة الفساد، تعزيز الشفافية، تحسين خدمات المواطن، حتى لا يُنظر إلى العملية الأمنية بأنها “تصفية حسابات” أو “خدمة أجندة أجنبية”.
 - التوازن في العلاقات الدولية: قبول الدعم الأميركي (مثل طلب سافايا) لا يعني استسلاماً للهيمنة، بل ينبغي أن يُربط بسياسة عراقية مستقلة تُعزّز السيادة وتُحدد المصالح الوطنية.
 - إدارة الخطاب العام: على الحكومة أن تشرح للمواطنين لماذا هذه الخطوات مهمة – الأمن، التنمية، الحوكمة – وتعكس كيف أن دمج السلاح سيخدمهم لأنهم يحصلون على دولة أقوى وأقل انقساماً.
 
خاتمة
الرسالة القوية من مقتدى الصدر إلى المبعوث الأميركي، والطلب العاجل من واشنطن إلى الحكومة العراقية، هما عنوان لمرحلة جديدة في عراق ما بعد 2025. المرحلة التي لم تعد مجرد تفاوض على مقاعد أو حكومات، بل على شكل الدولة نفسها، ومن يمتلك أدوات القرار فيها. النجاح أو الفشل هنا لن يُقاس فقط بترتيب التحالفات، بل بمدى قدرة الدولة على فرض سلطتها، كبح النفوذ الخارجي والداخلي، وإعادة العلاقة بين المواطن والدولة إلى المسار الصحيح.
إنّ مراقبة كيفية تجاوب الحكومة العراقية مع هذا المأزق أو الفرصة ستكون مفتاحاً لفهم ما إذا كان العراق يتحول فعلياً نحو “الأفضل” أو يستمر في دور “المتنازع عليه”. وأنت كمستشار، فإنّ هذا المشهد يحمل فتحاً كبيراً للعمل الاستراتيجي والتدخل الحقيقي.

رسالة قوية من الصدر لسافايا وطلب أميركي عاجل للحكومة